الجمعة، 12 مارس 2010

الحلقة الثانية عشرة : الصدام و الحريقة

الصدام والحريقة
كانت الزنازين في سجن القناطر تفتح من قبل الحراس في تمام الساعة الثامنة صباحًا..... ونظل من هذه الساعة حتى السادسة مساءًا في فناء السجن وننتقل بين أدواره المختلفة....
لقد كانت العلاقة حميمة بيننا وبين المسجونين الجنائيين بالسجن.... من خلال المعاملة الطيبة لهم.... ومن خلال توزيع الأدوية عليهم من قبل لجنة الإعاشة....... حيث كانت مستشفى السجن لا تقدم أي رعاية طيبة لهم، ومن خلال معارف شخصية وعائلية أوصى على أخي فؤاد خليل أحد ضباط السجن برتبه نقيب يدعي النقيب عصام، وكان الضابط يتعامل معي بود...
بعد عدة أيام من مظاهرة 21 مارس بالجامعة ومعرض السجن بالجامعة..... فوجئنا في أحد الأيام بعدم فتح الزنازين كالمعتاد في الثامنة صباحًا...... أوهمونا في البداية أنه توجد حملة تفتيش مفاجئة على السجن وستفتح الزنازين بعد ساعة ثم بعد ساعة أخرى وهكذا...... وظللنا حتى الواحدة أو الثانية ظهرا داخل الزنازين بلا دورات مياه ولا مياه، ودون زيارات..... فقد تم منع الزيارات.... حيث إننا قمنا بترتيب جدول الزيارات على الأهالي وكان يوميا يحضر أكثر من 5 أو ستة زيارات من أهالي الطلاب..... أخذنا نطرق على الأبواب دون جدوى... قفلت جميع الزنازين على السياسيين والجنائيين .....فرق من العساكر وقوات الأمن المسلحة بالكرابيج والعصي بدأت تدخل عنبر السجن..... صعدت إلى الشباك فوق باب الزنزانة أخذت أهتف شعارات حركة الطلاب والزنازين تردد..... جاء النقيب عصام وفتح باب الزنزانة... كنت بداخلها أنا وأربعة من الزملاء... قال لي:
أخرج خارج الزنزانة..... خرجت وجدت نفسي محاطًا بما لا يقل عن 40 عسكري من جميع الجهات... قال لي النقيب عصام:
" "مش تحترم نفسك"...... أستدار إلى الخلف ثم إلى الأمام..... وصفعني بشدة وبقوة على وجهي بالقلم.... كنت حافي القدمين وأرتدي بيجامة من الكستور......
دفاعًا عن نفسي ففي آخر منطقة شاهدته فيها ركلته بقدمي..... ولا أعرف إن كانت هذه الركلة قد جاءت فيه أم لا... حيث أن صفعة القلم كانت قوية. وما كنتش شايف أي حاجة قدامي..... ولم أحس إلا بجسدي يجر على أرضية العنبر وبلاطه وتنال على جسدي الصفعات والشلاليت والعصي والكرابيج..... وقد شلحوا سترة البيجاما عن جسدي.... وكانت علقة ساخنة......
وسمعت صوت الكلب النقيب عصام:
خدوه على عنبر التأديب...... وأخذوني على عنبر التأديب .......
"أنا ما هنت في وطني ولا صغرت أكتافي... وقفت في وجه ضلامي يتيمًا عاريًا حافي".......
والقوني داخل أحد الزنازين على الأرض..... كان مغشيًا عليّ من شدة الضرب... أخذت استجمع قواي وأمسح الدم من على بعض الجروح واتحسس وجهي من ضربة القلم.....
بعد أخذي على التأديب.... شكلوا طوابير وتشريفة طويلة من عنبر السجن حتى عنبر التأديب... وكان الطابور يتشكل من صفين متوازيين... المسافة بينهما متر واحد...... ويقف العساكر مسلحين بالكرابيج والعصي متراصين إلى جوار بعضهم...... بحيث يسير المعتقل بين الصفين وينهال عليه الضرب من الجانبين......
فتحوا أول زنزانة وسار أفرادها يضربونه بين طابورى التشريفة...... "مسافة حوالى 400 متر"......
وبعد أن رأت الزنزانة المجاورة ما يحدث للزنزانة السابقة... قام أفراد كل زنزانة بالضغط على الباب وعدم تمكين العساكر من فتح باب الزنزانة حيث أن باب الزنازنة كان يفتح إلى الداخل... ولما عجزت قوات الأمن عن فتح باب الزنازين..... قاموا بإحضار خراطيم المطافيء الضخمة...... وأطلقت المياه من باشبوري كل خرطوم نحو الزنازين..... خرطوم يطلق المياه من الشباك فوق باب الزنزانة....... وخرطوم آخر يطلق المياه من الشباك الآخر الذي يطل على فناء السجن.......
خلال دقائق قليلة تغرق الزنزانة بالمياه....... ويضطر الطلاب بداخلها للخروج خارج الزنزانة........... ويجبروا بالضرب والمطاردة على الدخول على مصيدة طابور التشريفة وملابسهم مبتلة.... وكان الجو شتويًا حيث كانت هذه المعركة حوالي يوم 25 مارس 1973 تقريبًا..... ضرب وعصي مع رجفة من الرش بالمياه وبرودة الجو، هكذا تم سحل السبعون طالبًا داخل سجن القناطر...
ودائمًا لكل معركة أبطالها... وبطل هذه المعركة هو الطالب:
جلال مقلد "محافظة كفر الشيخ".....
خرج جلال من زنزانته مستسلمًا....... صارخا:
أنا مليش دعوة باللي بيحلص لزز "وبعد تلقيه عصا والثانية توجه ناحية النقيب عصام قائلاً: "أنا حرمت خلاص أنا ماليش دعوة باللي بيحصل........ صرخ ضابط في عساكره قائلاً لهم:
سيبوه لا تضربوه أجلس هنا على جنب......
هنا أدرك جلال مقلد أن خطته قد نجحت.... لأنه خرج من الزنزانة مصممًا على الخديعة والإنتقام لزملائه... فجلس قرفصاء على الأرض يتحين اللحظة المناسبة.....
وفي لمح البصر..... جرى جلال مقلد وركل قدمي الضابط عصام من الخف بمشط رجله..... وكان الضابط يرتدي الحذاء الميري والأرض غارقة بالمياه...... فترنج الضابط متزحلقًا نازلا بكامل جسده على أرضية العنبر..... بعد أن طار الكاب من فوق رأسه.... وكان منظره مخزيًا وسط جنوده والذين أنهالوا على جلال مقلد بالضرب المبرح حتى أغمى عليه....وتركوه مغشيا عليه على الأرض.....وأستداروا ليكملوا الضرب فى باقى الطلاب.......
أفاق جلال مقلد من غيبوبته فقام مسرعًا ومن الخلف طرح الضابط للمرة الثانية على الأرض!!!!!!!
وتحول بعد ذلك إلى قطعة من العجة بين أيدي العساكر والضباط......
تم ضربنا بوحشية شديدة، ونقلنا جميعًا إلى عنبر التأديب، وقام الضباط بحرق أحد الزنازين، أشعلوا فيها النيران عن عمد ........لا يستطيع الضباط أن يقولوا:
"إننا قد دبرنا هذه المجزرة الوحشية ضد الطلاب.... لأنهم غافلونا وأخرجوا معرضًا مصورًا بالمجلات والفانلات من داخل السجن إلى الجامعة... مما أدى إلى توقيع الجزاء والعقوبة علينا".........
لقد دبروا هذه العلقة الساخنة للانتقام منا، وسار التحقيق في إتجاه :
أننا قمنا بتمرد داخل السجن.... وحرقنا أحد الزنازين..... فتم تأديبنا ومواجهة التمرد... ونقلنا لعنبر التأديب...!!!!!!!!!!
في عنبر التأديب منع عنا الطعام والزيارات...... وجاءوا إلينا بطبيخ السجن وأرز و عدس وقد رشوا عليه الكيروسين!!!!!!!!
وأعلنا الإضراب عن الطعام جميعًا دفعة واحدة...
وف اليوم الرابع حضر النقيب عصام قائلاً ومتوددًا للبعض منا:
- عندكم جلسات أمام القضاء وقد أحضرت لكم جميع ملابسكم (ملابسنا الشخصية التى صودرت أثناء العركة)...ورفضنا جميعا نزول الجلسات.........
وأستمر النقاش......ودارت مفاوضات..... ووصلت لجنة الإضراب لإتفاق:
نزول الجلسات مقابل فتح الزنازين على الجميع.... وإحضار ملابس الجميع.... وتركيب العديد من الحنفيات واللمبات داخل التأديب.... وتحسين الأمور بشكل عام......
ونزلنا الجلسات... وحكينا للطلاب وأمام القضاة كل ما حدث لنا طوال الأيام السابقة......
وبعدها بيومين كانت هناك مظاهرة يالجامعة تندد بما حدث.......
أما عن التأديب فلم يعد تأديبا وإنما حولناه إلى جنة وندوات.
الترحيل إلى سجن القلعة
بعد أن تحول عنبر التأديب إلى جنة... وأصبح عنبرًا أستجمام لا تأديب.. جاءت زيارة لي مكونة من أمي وأخي محمد خليل..... وفي هذه الزيارة أبلغني أخي أنه:
تم القبض على أحد أبناء حينا واسمه "علي سعد"....... وأنه بيقول أنهم مسكوه من شقة بشارع الهرم وحاولوا الضغط عليه للاعتراف عليك وعلى زملاءك بالكلية...... لكنه رفض ذلك.... وضربوه وقالوا له:
نحولك لشاهد ملك في القضية..... لكنه رفض أن بعترف على أحد.... وقال: أن الشقة دي هوه كان يستأجرها لوحده... ومفيش أي علاقة بينه وبين الطلبة والسياسية.
وبعد أسبوع أفرجوا عن علي سعد، وهو طلب مني أن أبلغك بذلك...
انتهت الزيارة ومن خلال ما حكاه محمد خليل عرفت أن الشقة التي استأجرناها بشارع الهرم.... وهربت فيها مع زملائي المطاردين تم إكتشافها.. لقد عرف السر الذي أخفيته على مباحث ونيابة أمن الدولة طوال الفترة الماضية... كنت أثق أن علي سعد أبن حينا لن يعترف علىّ ولا على أحد من زملائي بحركة الطلاب .....لقد كان على سعد همزة الوصل بيننا... كان ينزل إلى الجامعة يراقب كل ما يحدث عن بعد.....حيث كان ينزل إلى الجامعة زميل واحد حتى إذا قبض عليه ينزل الثاني..... وكان علي يراقب الزميل الذي ينزل ويتتبع تحركاته ويخبر المجموعة بالقبض أو عدم القبض عليه... كيف قبض عليه؟!! وماذا حدث؟!!
كل هذه الأسئلة كانت تدور بذهني ولا أجد إجابة عليها... لقد أنتهت الزيارة... وعدت إلى الزنازين...
وبعد ساعة من انتهاء الزيارة...... تم نداء أسمي... ترحيل إلى سجن القلعة.
صعدت سيارة الترحيلات إلى سجن القلعة..... أدخلت زنزانة رقم 8 حبس أنفرادي.. الأسئلة تطارد رأسي... يه؟ ماذا حدث؟ لماذا تم ترحيلي إلى سجن القلعة؟
فى لاظوغلى تحملت الضرب والصفع من كلاب مباحث أمن الدولة من أجل ألا أعترف على مكان زملائي... ينبغي أن أصمد..... خمنت الوقائع كالتالي:
تم القبض على سعد لسبب ما "مش مهم معرفته".....
علي سعد أنكر معرفته بي وبزملائي حتى لا يعترف علينا.....
علي سعد رفض أن يقول الحقيقة وقال أن الشقة كان يستأجرها بمفرده من أجل علاقات نسائية خاصة به حتى لا يعترف على أحد.
ظللت طوال اليوم أفكر..... في الثمانية مساءًا جاء بعض ضباط مباحث أمن الدولة وأخذوني في سيارة خاصة..... نزلوا بالسيارة من القلعة إلىشارع صلاح سالم إلى جامعة القاهرة.... ووقفوا بالسيارة عند تمثال نهضة مصر أمام كلية الهندسة وأنا صامت... سألتهم انتوا هاتحققوا معايا جوه كلية الهندسة؟!
قالوا: لا أحنا بس جايبينك جنب الجامعة والكلية... علشان تشوف كلية الهندسة لآخر مرة... لأن النهاردة صدر قرار بفصلك من الكلية... أجابتهم بكل برود: طز في أتخن كلية هندسة... لا يشرفني أكون مهندسًا ...وأنا لو أترفدت من كلية الهندسة ها أجيب عربية فول وها أبيع فول قدام الكلية وبرضه هنعمل مظاهرات وهنقول:
"مش معقول.... مش معقول..... سرقوا الشعب الواكل فول"
أبتسموا وادركوا أن حربهم النفسية لم تفلح... ساروا بي نحو محكمة بشارع السودان بعد ميدان الكيت كات ... صعدوا بي على غرفة وكيل نيابة يدعي أحمد رفعت أخذ يسأل:
وأنا أرفض التحقيق إلا في وجود محامي ...نفذت تعليمات أحمد شرف المرة دي بشكل صارم....
وظل ذلك يتكرر لمدة ثلاث ليالي متتالية...... وأنا أرفض أن التحقيق يجري في الواحدة أو الثانية صباحا وبدون محامى ...
في الليلة الرابعة دخلت التحقيق وبدون محامي..... كنت أريد أن أعرف ماذا يريودون بالضبط ؟
وأخذ وكيل النيابة يسأل ويسأل وكلها أسئلة فارغة..... ويدور ويلف ....
وأدركت أن ذلك كله يخفي بهدف قنبلة على سعد... إلى أن بادر بسؤاله:
- هل تعرف علي مسعد علي؟... فأجبت: سيادتك تقصد علي سعد علي
فنظر على أوراقه قائلاً: نعم.... علي سعد علي... يعني تعرفه؟!!!!
قلت له: نعم أعرفه... فبدأت شهيته تنفتح للأسئلة: كيف ومتى وأين؟...
قلت له: علي سعد أبن الحي الذي أسكن فيه.. وحينا ضيق وكلنا نعرف بعضنا وعلي سعد شاب ليس له صلة لا بالسياسة ولا بحركة الطلبة.
قال: لقد ضبط في شقة بشارع الهرم...
قلت له: وما علاقة هذا بالسياسة؟ وبحركة الطلبة؟
يعني هوه كل واحد مستأجر شقة في شارع الهرم يبقى له صلة بحركة الطلبة!!!
قال وهو يرفع منديل من القماش من على مكتبه وأخذ يجفف به عرقه:
- أعترف علي سعد بأنه ينتمي معك لتنظيم سري يهدف قلب نظام الحكم، وأن الشقة المستأجرة بشارع الهرم كانت تضم الهاربين من أعضاء التنظيم بكلية الهندسة، وأن علي سعد كان همزة الوصل بينك وبينهم ما رأيك في ذلك؟
لاحظت أثناء السؤال أن كاتب التحقيق لم يكتب هذا السؤال... فقلت:
- لن أجيب على السؤال إلا إذا كتب في محضر التحقيق... وقف مرتبكًا: نأن أن
- لا أحنا بنسأل الأول وبعدين هنكتب كل سؤال وجواب... فقلت له:
- علي سعد ليس له صلة بالسياسة... كل العلاقة معه أنه من أبناء حي داير الناحية الذي تربيت فيه ومفيش تنظيم سري... ونظام الحكم بتاعكم هوه مقلوب لوحده ومش محتاج حد يقلبه.....
وأخذ يلف ويدور حول موضوع شقة الهرم.. وكتب إجاباتي: لا أعرف شيئًا عن ذلك...
لكن وكيل النيابة لم يسجل أي سؤال سأله ولا أي إجابة أجبت... ولما سألته لماذا لا يكتب كاتب الجلسة الأسئلة والأجوبة
فهمت أنه عندما رفع المنديل من على المتب كان تلك إشارة متفق عليها مع كاتب الجلسة بألا يسجل الأسئلة... لأن أسئلته كانت غير حقيقة......
فعلي سعد لم يعترف على شيء .......وإنما كان يريد أن يربكنى عند سماعى بإعترافات من علي سعد وتنظيم سري وقلب نظام الحكم... يمكن يوصل لشيء...
أنقلب التحقيق بعد ذلك عن مظاهرة 11 فبراير بميدان الجيزة... والتهمة أنني اشتركت في مظاهرة كان من شأنها تكدير السلم العام.. نعم أنا اشتركت في مظاهرة الطلاب بميدان الجيزة.
وأقفل التحقيق و تم ترحيلي في اليوم التالي ثانية إلى سجن القناطر حيث عنبر التأديب والاستجمام..
وحينا عدت إلى سجن القناطر أخذت أجمع جميع الجرائد اليومية طوال الفترة امضيتها بسجن القلعة تحت الحبس الإنفرادي..... لأتابع ماذا جرى فقد حجبت عني الجرائد طوال هذه الفترة...
وكانت مانشيتات الجرائد في هذه الفترة وفى أحد خطب السادات على:
شقة شارع الهرم..... وتنظيم شروق....
فقد تم القبض في هذه الفترة على المناضلين:
نبيل الهلالي ومحمد علي عامر وأديب ديمتري وجميل حقى وآخرين بتهمة الانتماء إلى شروق وظلوا معتقلين بسجن القلعة لعدة شهور... أما السادات فقد قال في أحد خطاباته:-
"لقد ضبطنا التنظيمات السرية وراء حركة الطلبة....... لقد استأجروا شقة في شارع الهرم لتدبير المؤامرات ضد نظام الحكم...... من أين أتوا بالأموال؟...الخ"...
الشقة بالفعل كانت في شارع الهرم بجوار الأندلس بعد محطة التعاون... شقة مفروشة كان إيجارها الشهري 25 جنيه... جمعنا فيها كل الهاربين والمطلوب القبض عليهم من طلبة كلية الهندسة.... نعم لندير منها المظاهرات التي تطالب بإلافراج عن زملاءنا الذي تم إعتقالهم و للإختفاء من أعين الشرطة.
مبلغ 25 جنيه شهريًا في ذلك الوقت كان مبلغًا كبيرًا بالنسبة لنا كطلاب حقًا.....لكنه كان تافهًا بالنسبة لحركة طلابية تضم الآلاف ولها الآلاف من المتعاطفين معها.
لقد تم معرفة المكان من قبل جهات الأمن، لكن بعد أن تم القبض على جميع الهاربين من الشارع ومن المظاهرات ولم يعترف أحد من الهاربين على مكان الشقة، وبخطأ من أحد الطلاب "من غير الهاربين" كان قد تعرف على المكان عرفت جهات الأمن المكان فنصبت كمينًا محمكًا بدال خ ومن حوله...
أما أبن حينا علي سعد حينما وجد الجميع قد تم القبض عليهم فإنه قرر الذهاب إلى المكان وأخذ كتبه وملابسه وترك المكان..... لم يكن يعرف أن المكان قد إكتشف من قبل أجهزة الأمن..... فتح علي سعد باب الشقة وضع يده على مفتاح الكهرباء بجوار الباب فجأة.... وجد أمامه نصف دستة من ثيران أمن الدولة ومخبريها جالسين في الصالون في إنتظار الفريسة...... قفل باب الشقة وأشبع الثيران علي سعد ضربًا مبرحًا.. أخذوا بطاقته عرفوا من عنوان السكن "شارع داير الناحية" أنه أكيد صديق لي وله صلة بالسياسة.. جروه إلى مبنى جابر بن حيان... صار الضغط عليه من أجل الإعتراف ......لقد كان علي سعد "رحمه الله" عضوًا معي بتنظيم الشروق، .. كان علي سعد يخفي بمنزله أرشيف كاملاً للأوراق السرية لتنظيم شروق...... لم يخرج منه رجال مباحث أمن الدولة بكلمة واحدة ولا نصف معلومة رغم أن هذه المواجهة كانت هى المرة الأولى له في التعامل مع أجهزة شرسة وعاتية..... ورغم أنه تعرض للتعذيب الشديد والإهانة.... ورغم أنه أيضًا تعرض للإغراء المادي الشديد في حالة إعترافه والتجاوب معهم... يا سلام يا علي سعد... يا أغلى الرجال ويا أعز أبناء داير الناحية ...... هذه هي القصة كاملة عن تنظيم شروق وشقة الهرم....أرويها تفصيلاً بعد مرورسنين طويلة على تاريخها.... كان بطلها الحقيقي علي سعد..... مثلاً لمن يعملون ويناضلون ويكافحون في صمت.... ويرحلون أيضًا في صمت... هكذا هم الشرفاء دائمًا.
نضالنا أعتبره النظام ورئيسه ورجال أمنه مؤامرة وعمالة وتمويل.....
أما نحن فقد كنا ندافع عن حركة طلابية.... وعن حقنا في بناء تنظيماتنا المستقلة..... وحقنا في مقاومة نظام ديكتاتوري.... طبعًا نراوغ في التحقيقات ونخفي الحقائق لأننا أمام سلطة تحقيق غير عادلة وغير شرعية ...
والذي لا تعرفه أجهزة الأمن حتى الآن أن بعد القبض على علي سعد بثلاثة أيام ذهب الضابط الاحتياطي صديقنا ومسئولناً بتنظيم شروق..... لينهي عقد الشقة ولم يكن يعلم أن علي سعد تم القبض عليه، ففوجئ بصاحبة الشقة تصرخ في وجهه وتقول له:
- يبقى أنت مع الشاب اللي أتمسك من يومين.... لازم أبلغ المباحث ......"وبدأ صوتها يعلو ويرتفع" :
ضباط المباحث قالولي لازم تبلغي على أي حد يبجي الشقة دي...
وتصرف الضابط الاحتياط بحنكة رائعة قائلاً لها:
- ليه ليه حرام عليكي.... الناس اللي قالولك أنهم ضباط أمن دولة وقبضوا على الشاب.. دول مش أمن دولة ولا حاجة.... دول ضحكوا عليكي..... أحنا علينا تار في الصعيد... وهمه خدوه عشان يقتلوه..... روحي يا شيخة ربنا يسمحك.
فصمتت السيدة وهي في حالة ذهول: تار... صعيد..... أمن دولة......
أنا مكنتش أعرف ولاد الكب قالوا أنهم ضباط مباحث!!!!
وأنسحب صديقنا ومعلمنا ومسئولنا بتنظيم شروق من أمام السيدة في هدوء..... متصنعًا البكاء والألم..... وترك السيدة وهي حزينة ومندهشة..... لقد كان هذا الإنسان العزيز صيدًا ثمينًا .......لكنه لم يقع في شباك أمن الدولة وقتها....
مر شهر أبريل بعنبر التأديب في سجن القناطر، وفي أوائل مايو تم ترحيل كل الطلاب لسجن طرة لأداء الامتحانات، ولم يبق بسجن القناطر إلا غير الطلاب.....
وتم تجميع الطلاب من جميع السجون في عنبر واسع مفتوح "بسجن طره العمومي" كان يسمى عنبر السينما... وكانت أيام للمذاكرة......
كنت قبل الغروب أصعد علي شجرة كبيرة وأتسلقها.... وكانت العملية سهلة لضخامة جذوع الشجرة... كنت من فوقها كاشفًا لكورنيش النيل... وما أجمل النيل في هذه المنطقة...... "فعلاً السجن مطرح الجنينة"....
وفي يوم من الأيام رحت في نوم عميق أعلى الشجرة.. وثم قفل عنبر السينما على الزملاء ....وتم تبليغ إدارة السجن بهروب أحد الطلاب.... وظلوا يبحثون عني لولا أن أحد زملائي كان يعرف أنني أصعد كل يوم إلى الشجرة... فجاء وأيقظني.... وعاد الهارب لعنبر السينما......
وفي أوائل شهر يونيو صدر قرار الاتهام بشأن القضايا الطلابية... ونشر على صفحات جريدة الأهرام "تقريبا يوم 5 يونيو أو 6 يونيو عام 1973"....
كما تسلم كل من الطلاب المتهمين نسخة من قرار الاتهام، أما الطلاب الذين لم يرد أسمهم بقراري الإتهام فقد تم الإفراج عنهم.....
وصدر قرار الاتهام على قضيتين:-
القضية الأولى:
كانت تضم أحمد عبد الله رزة وسهام صبري وآخرين متهمين بالتحريض والآثارة ومعهم كل من قبض عليهم في 29 ديسمبر 1973.
القضية الثانية:سميت بقضية تنظيم الجيزةوكانت تضم الهاربيين وقصة شقة الهرم وكافة العناصر التى أشتركت فى أحداث 1973 وقبض عليها .
وفي أول شهر يوليو وعقب انتهاء الامتحانات الطلابية عاد من تبقى من الطلاب مرة ثانية إلى سجن القناطر بعنبر التأديب..... وطوال شهري يوليو وأغسطس توالت الإفراجات عن الطلاب..... وفي أوائل شهر سبتمبر لم يتبقى بسجن القناطر سوى ثلاثة من الحركة الطلابية:
كمال خليل "هندسة القاهرة"،
أحمد هشام عبد القادر "خريج هندسة القاهرة وأحد المؤسسين الأوائل لجامعة أنصار الثورة الفلسطينية "،
محمد نعمان كلية الزراعة جامعة القاهرة".
وأفرج أيضًا عن جميع الطلاب بباقي السجون..... ولم يتبقى بسجن القلعة بالإضافة إلى ثلاثة سجن القناطر سوى الآتي أسمائهم:-
1- إبراهيم عزام "هندسة القاهرة" 2- أحمد بهاء شعبان "هندسة القاهرة"
3- طلعت فهمي "هندسة القاهرة" 4- حلمي المصري "هندسة القاهرة"
5- سحر عبد المنعم الصاوي "ابنة وزير الثقافة"
هؤلاء الثمانية ظلوا بالسجن حتى 3 أكتوبر 1973 في سجنى القلعة والقناطر.
أنا وهشام ونعمان ظللنا معًا في زنزانة واحدة بسجن القناطر.... حتى جاءت حوالة ب عشرة جنيهًا لزميلنا نعمان....... فسهرنا طوال الليل نضع ميزانية حرب لإنفاق العشرة جنيهات .....لكها تم مصادرتها من قبل إدارة السجن مقابل البطاطين التي قمنا بحرقها أثناء التمرد في السجن...... "يقصدون البطاطين التي حرقوها حتى يداروا على خيبتهم في موضوع تهريب المعرض!!!!!!!
على منتصف سبتمر جاء إلينا إلى سجن القناطر "إبراهيم وبهاء وطلعت وحلمي" وأصبحنا سبعة بسجن القناطر، وسحر الصاوي وحدها بسجن القلعة.
أبلغني أحد الزملاء بحلقة شروق أن هناك اتصالات من قبل التنظيم برئيس منظمة الشباب كمال أبو المجد من أجل الإفراج عنا... قلت له:
أنا أرفض ذلك.... سيتم الإفراج عنا حينما تفتح الجامعة..... من خلال مظاهرات الطلاب ....لا من خلال التفاوض مع الدولة.
في 28 سبتمبر وأثناء خطاب السادات في المساء ....قامت إدارة السجن بتشغيل الإذاعة الداخلية وسمعنا الخطاب الذي قال فيه السادات:
"لقد أمرت بإسقاط قضايا الشباب من أمام المحاكم... وأمرت بالإفراج عن جميع الطلاب..."
ظللنا بالسجن حتى يوم 3 أكتوبر، وأفرج عنا ولم نكن ندري أن يوم 6 أكتوبر 1973 سوف يكون يومًا تنتهي فيه حالة اللا سلم واللا حرب ويوما لعبور قناة السويس... خرجنا من السجن يوم 7 رمضان وكنا قد أمضينا داخل السجن 7 أيام من رمضان... عدنا إلى الديار بعد 7 شهور وأثنان وعشرون يومًا.
خرجنا إلى الأهل والأصدقاء... أخذنا نحفظ من زملائنا أغنية زين العابدين الجديدة من تلحين الشيخ أمام عيسى:
"أتجمعوا العشاق في سجن القلعة... أتجموا العشاق في باب الخلق... والشمس غنوة م الزنازين طالعة... ومصر غنة مفرعة في الحلق...
أتجمعوا العشاق في الزنزانة... مهما يطول السجن مهما القهر..
مهما يزيد الفجرم السجانة....مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر........ ولا حد.....
وقصيدة نجم من تلحين الشيخ أمام:
"شيدو قصورك على المزارع...... وعمال وفلاحين وطلبة"
كفارة يا معلم......... السجن للجدعان ..............والمشنقة مرجيحة الرجالة.
الحلقة القادمة الاسبوع القادم (رؤية سريعة عن حال المنظمات الماركيسية بالجامعة).ا

هناك 3 تعليقات:

Unknown يقول...

قلت هاتكتب عن حال المنظمات الماركسية بالجامعة في السبعينات ومازلنا في الانتظار.
ينفع كدا يابشمهندس؟ ممكن تنفذ وعدك لو سمحت؟؟
الف تحية

جلال كمال الجربانى يقول...

أول زياره لى لهذه المدونه الجميله والشيقه
التى تؤرخ لكفاح طلبه مصر
وسنتابع
لكنى فى الحقيقه أتيت للأستفسار عن اخر أخبار حزب العمال الديمقراطى
الأحسن يكون له مدونه مستقله فى هذه المرحله

مع خالص تحياتى

Khaled يقول...

أسعد جدا لمثل هذه المذكرات التي تلقى الضوء على تاريخ مضئ من تاريخ نضال شعبنا الكريم ، أشكر لك سيد الكريم على مشاركتنا لهذه الذكريات الجميلة

حكايات من زمن فات

حكايات من زمن فات
اضغط على الصورة لتحميل الكتاب

حكايات من زمن جاى

حكايات من زمن جاى
اضغط على الصورة لتحميل الكتاب

قاوم يا فتى

قاوم يا فتى
اضغط على الصورة لتحميل الكتاب

أوراق عمالية

أوراق عمالية
اضغط على الصورة لتحميل الورقة