الجمعة، 26 فبراير 2010

الحلقة العاشرة : اعتصام يناير 1973 ومظاهرات الشوارع واغلاق الجامعة

إعتصام يناير 1973 ومظاهرات الشوارع وإغلاق الجامعة
من صباح السبت 30 ديسمبر 1972 وحتى الاربعاء 3 يناير 1973 كانت الحركة الطلابية تموج بالمظاهرات الواسعة التي استمرت يومي السبت والأحد بالكليات المختلفة والحرم الجامعي..... وبدأت المظاهرات تتجه نحو الحي الشعبي المجاور للجامعة (بين السرايات)........ وبدأت تربط في شعاراتها بين قضايا الحريات والعداء للصهيونية وتحرير سيناء وبين القضايا الاجتماعية مثل:-
أصل الوالي يا ناس مش داري ....... بهم الفقراء في الحواري
شربوا الفقرا المر سنين ......... يا ما ليالي باتوا جعانين
شربوا المر وشربوا القهر........ وبيستلفوا طول الشهر
خلوا الفقرا تشوف النور.......... زودولهم الأجور
سيد مرعي يا سيد بيه ..... كيلو اللحمة بقى بجنيه
أنور أنور أنور بيه ......... جوز الجزمة بستة جنيه
سرقوا الكستور عروا الملايين....سرقوا الدواء م العيانين
هنحارب أمتى؟ مش عارفين!!!..
يا سلطان زمانك دبح ... وأحبس كل ولاد الشعب...
هية الكلمة في بلدي حرام ... وألا عايزنا نعيش أغنام...
ناكل نشرب نصحي ننام...
أحبسوا كل ولاد الشعب ... بكرة نشوف مين الغالب؟!!!
دكتور حسن يا اسماعيل... (رئيس الجامعة)
بص وشوف أول رعيل...
الرعيل الأول راح ... وأحنا هنضم الجراح ...
والرعيل الثاني راح ... وأحنا هنضم الجراح ...
والرعيل الثالث طالع ...
وإن خطفونا من الشوارع ... كل شباب الجامعة طالع ...
تاني وثالث رابع طالع
بكرة ها ييجي الدور عليك... ويحطوا الحديد في أيديك
بكرة تردد جوه الحلق ... شباب الجامعة كان على حق
شوفوا تنظيمهم السياسي.......... (المقصود الإتحاد الاشتراكي العربي)....
ضد أهلى وبلدى وناسى......
سيد مرعى الأمين......
يبق حرامى الفلاحين......
وسى محمد بيه عثمان ..... منسق أعمال البلطجة مع الإسلاميين
دا أقطاعى من زمان.......
ومحمود عبد الآخر أحد قيادات الإتحاد الإشتراكى فى ذلك الوقت
ما هو حرامي هوه راخر
يا أساتذتنا يا أساتذتنا...
المباحث نايمة في بيتنا...
يا بتوع روجرز يا بتوع سيسكو (روجرز وسيسكو وزيران للخارجية الأمريكية)
بكرة الشعب الواعي يدوسكو
حرب التحرير الشعبية ... دي سياسية الشعب الثورية ...
ضد أمبريالي ورجعية ... ضد الهليبة الحرامية ... ضد سياسية الرأسمالية ...
سلحونا سلحونا ... على سيناء وأبعتونا ...
(خد مني الكلمة ... وأديني بنادق ... خذ مني البيت العالي ... وأديني خنادق ...خد مالي وكل عيالي ... دا أنا نفسي ولو مرة أكون البادئ)
وفي هندسة القاهرة كانت بداية الشعارات:
ما تقول لنا يا ساعة الوالي فين عصام الغزالي؟
(حيث تم القبض على عصام الغزالي ضمن قائمة الرعيل الأول)
فين فتيح؟ فين سهام؟ فين بهاء؟ فين هشام؟
(فتيح: أحمد فتيح – سهام: سهام صبري – بهاء: أحمد بهاء الدين شعبان – هشام: أحمد هشام عبد القادر)...
وتم إقتحام قاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة يوم الأحد أوالاثنين من أعداد غفيرة من الطلاب.....
وتم الاعتصام بالقاعة لمدة 3 أو 4 أيام، لكن هذا الإعتصام لم يكن بنفس قوة إعتصام يناير 1972 ........
حيث تأثر هذا الإعتصام بإعتقال الصف الأول من القيادات الطلابية..... وتقريبًا الغالبية العظمى من أعضاء اللجنة الوطنية العليا للطلاب.... ومعظم العناصر الهامة والنشطة بالكليات المختلفة......
مما أثر على الحركة وعلى الإعتصام ذاته.......
(لم يكن إعتصامًا ضعيفًا لكن كان أقل قوة من الإعتصام السابق).......
هذا علاوة على أن الإعتصام السابق سبقه اعتصام طلاب هندسة القاهرة مما أعطاه قوة أكبر....... حيث أن كلية الهندسة بجميع أقسامها المختلفة (ميكانيكا – كهرباء – مدني – كيمياء – تعدين – طيران الخ) وفرقها المختلفة تعادل عدد من الكليات مجتمعة من حيث أعداد الطلاب.......
كما كانت كليات الهندسة تضطلع بالدور القيادي للجامعات في القاهرة وعين شمس والمنصورة وأسيوط.
وتم طرح وثيقة "البرنامج الوطني الديمقراطي" للحركة الطلابية من خلال الإعتصام......
وكانت هذه الوثيقة أرقى وأعمق من وثيقة اعتصام يناير 1972......
حيث طرحت الأمور بشكل أكثر وضوحًا... ففي نظرتها لقضية الديمقراطية:-
تحدثت الوثيقة عن حق الجماهير في تشكيل تنظيماتها السياسية والنقابية بشكل مستقل عن الدولة......
وحرية إصدار الصحف المستقلة......
ورفض أن تكون عضوية الاتحاد الاشتراكي العربي شرط لعضوية النقابات المهنية........
وعن حق الجماهير في الإعتصام والإضراب والتظاهر...بينما كانت وثيقة يناير 1972 كانت تتحدث عن رفض مبدأ التعيين فى الإتحاد الإشتراكى ولم تتطرق لحق التنظيم المستقل خارج الإتحاد الإشتراكى.
كذلك طرحت جانبا متقدما فى القضايا الإجتماعية مثل :
الحديث عن ربط الأجور بالأسعار ووضع حد أدنى للأجور لا يقل عن 30 جنيه (بأسعار هذا الوقت)......والحديث
عن وضع حد أعلى للأجور بعشرة أمثال الحد الأدنى......مثل هذه القضايا لم تكن مطروحة فى وثبقة يناير72.
كذلك تحدثت وثيقة يناير 73 أهمية المواجهة مع الكيان الصهيوني من أجل تحرير الأراضي العربية المحتلة وسيناء..... وإعداد الإقتصاد كإقتصاد حرب... وأن حرب التحرير الشعبية هي الطريق الوحيد للإنتصار على العدد الامريكي الصهيوني.
بينما كانت وثيقة 24 يناير تطرح القضية الوطنية في صورة تساؤلات.
كان من الطبيعي والمنطقي أن تكون وثيقة إعتصام يناير 1973 أكثر نضجًا وأكثر عمقًا من حيث الطرح السياسي فتفاعل الطلاب معًا يطور من رؤيتهم للواقع.... وفي الحركة تنضج الرؤى والبرامج.....
لكن كان هناك فارق بين إعتصام 1972 و إعتصام 1973 ...
إعتصام 72 كان فعل طلابي وكانت السلطة فى حالة رد الفعل.....
أما إعتصام 1973 فكان رد فعل طلابي على إعتقالات 29 ديسمبر 1972 التي شملت عشرات الطلاب من الجامعات المختلفة...........
كان اعتصام 1972 يطلب الطلاب فيه مسئولين للمناقشة......
أما في يناير 1973 فإنهم كانوا أمام مهمة الإفراج عن زملائهم الذين أودعوا بالسجون...
تم إقتحام القاعة.... وتم تشكيل لجنة عليا لقيادة الإعتصام..... وتم صياغة "وثيقة البرنامج الوطني الديمقراطي الطلابي"........ وتم أيضًا الإستيلاء على مطابع الجامعة.....
تكرر كل ما حدث في يناير 1972...... لكن الأمور ساءت على عجل وبشكل سريع...
كان الخروج إلى الشارع يلح على المعتصمين من أجل الإفراج عن زملائهم..... وبالطبع كان إعتقال قيادات الصف الأول له تأثيره في تقليل قوة الدفع للحركة.. أيضًا كان إعتقال الطلاب من القاعة في فجر 24 يناير1972 هاجسًا قائمًا في أذهان جميع الطلاب المعتصمين...
وفي ظهر الاربعاء 3 يناير 1973 :
قرر المعتصمون فض الاعتصام والخروج إلى الشارع ...
وخرجت مظاهرة كبرى ضمت أكثر من 15 ألف طالب..... بدأت بثلاثة آلاف من قاعة الاحتفالات..... ثم طافت بالحرم الجامعي وأتسع عددها، وكان الطلاب في المقدمة يحملون العلم المصري بطول أكثر من 20 متر وهو العلم الذي كان منصوبًا فوق منصة قاعة الاحتفالات الكبرى، وعند النصب التذكاري أنقسمت المظاهرة إلى قسمين كبيرين:
قسم أتجه ناحية تمثال نهضة مصر ليسلكوا طرق كوبري الجامعة نحو ميدان التحرير....
وقسم أتجه للباب الرئيسي لحديقة الأورمان من ناحية شارع الدقي ليسلك طريق شارع الدقي فميدان الدقي فشارع التحرير فميدان التحرير.....
وعند كلية الفنون الجميلة تشكل قسم ثالث من الطلاب حاول أن يتجه إلى حي بين السرايات فشارع ملاعب الجامعة فشارع التحرير فميدان الدقي فميدان التحرير...
كانت أجهزة الأمن قد أعدت عدتها طوال الأيام السابقة، وهي تختزن في ذاكرتها كيف تجمع الطلاب في صباح 24 يناير بعد اعتقال زملائهم من الإعتصام في الفجر، واستطاعوا أن ينطلقوا من أمام حديقة الأورمان وتمثال نهضة مصر إلى ميدان التحرير وشكلوا إعتصام الكعكة الحجرية في صينية ميدان التحرير........
حشد الأمن قواته بكثافة في الثلاثة محاور السابق ذكرها مستهدفًا عدم وصول الطلاب إلى ميدان التحرير سواء من جامعة القاهرة أومن جامعة عين شمس..... (لأنه تقريبًا كانت تدور نفس الأحداث بجامعة عين شمس)... ودارت معركة ساخنة بين قوات الأمن المركزي وطلاب جامعة القاهرة من الواحدة ظهرًا حتى الواحدة مساءًا تمكن الأمن فيها من حصار الطلاب خلف أسوار الجامعة... كانت معركة طاحنة أستخدم فيها الأمن الهروات والقنابل المسيلة للدموع وبعض الرصاص المطاطى......... واستخدم الطلاب ما توفر لديهم من طوب للمقاومة... 12 ساعة وحرب طاحنة أستماتت فيها قوات الأمن على ألا يصل أي طالب لميدان التحرير...
لكن رغم هذا الحصار تمكنت كتيبة مقاتلة قوامها 150 طالب من أن تفلت من هذا الحصار... وتصل لميدان العتبة في أغرب مظاهرة... سوف أسميها مجازًا "مظاهرة البرغوث"...
تبدأ قصة هذه المظاهرة عند الباب الرئيسي لحديقة الأورمان من ناحية شارع الدقي، وكنت أتقدم المظاهرة في هذا المحور ومعنا علم مصر... وفي هذه المنطقة هاجم الأمن بشدة بالعصي والقنابل المسيلة للدمع التي كان يطلقها من منصات إطلاق داخل حديقة الأورمان... فاتجهت أنا ومجموعة من الطلاب ناحية سور منخفض الارتفاع (حوالي 1.5 متر) كان يحيط بقطة أرض خالية لا يوجد عليها بناء كانت تسمى وقتها "أرض السفارة التشيكوسلوفاكيه" مكانها الحالي هو المدرسة الألمانية... صعدنا فوق السور حوالي 150 طالب وفررنا من قوات الأمن داخل هذه الأرض الخالية والمليئة بالأحجار، ولما كان هدف الأمن إطباق الحصار على الطلاب.....
فإنه تركنا نجري خلفه وتوجه ناحية الأمام لحصار الطلاب... أخذنا نجري في الأرض الخالية إلى أن وصلنا إلى شارع الدقي..... تجمعنا وسرنا بمظاهرة البرغوث في شارع الدقي... وسارت المظاهرة في شارع الدقي حتى وصلنا إلى المتحف الزراعي وتوجهنا ناحية مدرستان هناك (مدرسة إعدادية ومدرسة ثانوية)... وحاولنا إخراج الطلاب معنا في المدرستين.......جرت ورائنا بعض قوات الأمن بالعصي تطاردنا في الشوارع... جرينًا ناحية نادي الصيد وشوارعه الفرعية... وكانت المنطقة منطقة أثرياء شبه خالية من البشر... تجمعنا ناحية محطة بولاق الدكرور... جاءنا خبر كاذب مفاده أن جامعة عين شمس قد وصلت لميدان العتبة... قررنا ركوب الأتوبيسات مجموعات مجموعات على أن نلتقي في ميدان العتبة لنشارك جامعة عين شمس بعد أن تم حصار جامعة القاهرة... تجمعنا بعد ساعة في ميدان العتبة أمام محطة الترام القديمة... وبالطبع لم نجد أية مظاهرات لطلاب عين شمس... أحبطنا في البداية... لكننا قررنا الاستمرار في التظاهر في ميدان العتبة.. 150 طالب عدد قليل بس مش مهم... المهم أن أحنا نعلن عن حصار جامعة القاهرة والمعركة الدائرة هناك... أخذنا نكتب منشور مختصر من أربعة أسطر يشرح ما يدور من قتال حول جامعة القاهرة...... كتبنا المنشور على ورق بالكربون... أخذنا نوزعه على المارة... كان العلم المصري (الذي خرجنا به من الجامعة) ما زال مع طالبان لفه أحدهم على صدر زميله وساعده في إرتداء ملابسه فوقه... فردنا العلم بطول عشرين متر وسط الميدان عند محطة الترام... ألتف الناس حولنا... توجنا بالعلم بمظاهرة البرغوث ناحية محطة الأتوبيس بميدان العتبة... في المحطة أخذنا نردد هتافات الحركة الطلابية..... ونوزع المنشور القصير... وحدث تجمهر كبير من حولنا.... لكن فجأة وجدنا قوة ضخمة من قسم الأزبكية جاءت ووقفت في مواجهتنا... ظللنا نهتف وكان الناس معنا في حالة تجاوب... أصدر قائد القوة الأوامر بتفريقنا... انهالت علينا العصي.. جرينا جميعًا في اتجاه واحد ناحية سوق جوهر بمدخل الموسكي... وقفنا نملأ المنطقة بالهتافات... رفع بائعو الموسكي العصي والشوم على قوات قسم الأزبكية... وقالوا لهم الطلبة في حمايتنا... وإحنا هنا هندافع على البضاعة اللي بنرزق منها.. (وكان هناك معركة شديدة قبل شهور جرت في هذه المنطقة بين الباعة والشرطة)... تصدي الباعة للشرطة وأعلنوا تضامنهم مع الطلاب... خرجنا من خلف سوق جوهر... من الشوارع الضيقة الخلفية إلى أن وصلنا لشارع الجيش... وسرنا بمظاهرة البرغوث في شارع الجيش... وظلت المسيرة تتسع ...وظلت المظاهرة تقريبًا من الثالثة إلى الخامسة مساءًا وكنا نركز فيها على الشعارات الاجتماعية خاصة:
خلوا الفقرا تشوف النور، سرقوا الكستور، هم الفقراء في الحواري... الخ
كانت هذه الشعارات تلقي قبولاً من الشعب، وتدفع على انضمام البعض للمظاهرة... في الساعة الخامسة وعندما وصلنا تقريبًا لميدان باب الشعرية... كان الأمن أعد عدته لتحطيم مظاهرة البرغوث.... حيث فوجئنا بقوات أمنية مجهزة بالعصي والقنابل المسيلة للدموع من أمامنا ومن خلفنا وأخذت تطاردنا بشراسة.. فتفرقنا للشوارع الجانبية وكان الليل قد بدأ ينسج خيوطه.. حمانا الكثير من الأهالي وأصحاب الدكاكين من قوات الأمن... وهربونا منهم.. وأطعمونا... وكنا نحكي لهم عن حصار الجامعة ومطالب الطلاب.. وكان هناك تعطش للسمع ومعرفة الحقيقة.... وكانوا أكثر إستجابة لكلامنا عند الحديث عن المطالب الاجتماعية... أما عند الحديث عن الحرب فكانوا ينقسمون ما بين مؤيد ومعارض.. وكان الذين يعارضون يتحدثون عن فداحة ومآس الحروب الماضية في 1948، 1967..
تفرقت مظاهرة البرغوث.... لكنها كانت مبادرة شجاعة وإيجابية سارت بشكل تلقائي وعفوي... وكانت لي وللبعض بداية للتمرس على مظاهرات الشوارع... وكيف نمارس الدعاية وسط الجماهير بأعداد قليلة... وكيف بشعارات وكلمات قليلة وبسيطة تستطيع أن تنفذ فكرتك كالسهم في عقول البشر ...
في الفجر... وفي جرائد الصباح أعلنت الحكومة عن قفل الجامعات المصرية لمدة شهر....
وتم بالفعل إغلاق الجامعة بعد إضافة عشرات المعتقلين إلى المعتقلين السابقين، وبعد إصدار قائمة ثانية للمطلوبين من قيادات الصف الثاني والثالث، وكانت أعداد المطلوب القبض عليهم واسعة، وكان الشهر الذي تم فيه إغلاق الجامعة هو شهر المطاردات للقبض على الهاربين قبل أن تفتح الجامعة... ترك الكثيرين منازلهم وهربوا وأصبحوا مطاردين... وكانت المشكلة كيف تلتقي القيادات الهاربة أثناء إغلاق الجامعة لتنسق وتعد سويًا لما بعد افتتاح الجامعة...
هل ستفتح الجامعة في 3 فبراير 1973؟
ماذا سيكون رد فعل الطلاب؟
مد طلابي أم جذر طلابي؟
ماذا سنفعل في كل حالة؟
كانت الإجابة الوحيدة:
لن نترك زملائنا في السجون مهما كانت الظروف..
وخلال هذا الشهر نشطت حركة أمهات الطلاب المعتقلين (أروع الأمهات)...
والدة أحمد هشام عبد القادر خريج هندسة القاهرة (أم الطلاب جميعًا) والتي فتحت بيتها لكل هارب من الطلاب... كانت سيدة شجاعة وصلبة (رحمها الله) قدمت أبنها هشام وأبنتها مهندسة (عزة) وأبنتها الطبيبة(هدى) لساحة الطلاب المعتقلين... كانت سيدة عظيمة نزلت إلى النقابات المهنية وللنائب العام ولكافة الجهات تطالب بالإفراج عن الطلاب المعتقلين، وكان يسير معها كوكبة من السيدات المحترمات:
والدة الطالب عصام الشهاوي طالب كلية طب الأسنان.....
ووالدة أحمد عبد الله رزة ....
ووالدة الجميعي وآخرين لا أتذكرهم الآن..
هؤلاء السيدات نظموا مظاهرة في ميدان التعبة كان يتقدمها لافتة من القماش الأصفر كتب عليها بالخط الأسود:
"هدية العيد اعتقال أبناؤنا الشرفاء...... دم أولادنا فداء تحرير سيناء وليس للسجون والمعتقلات"
تصدى لمسيرات الأمهات قوات الأمن.... وكان عيد الأضحى في هذا العام على الأبواب..... لقد كان نصيب الطلاب الاعتقال في عيد الأضحى عام 1972، وعيد الأضحى عام 1973 مما أعادطرح الشعار الشهير من جديد:
العيد ده مش عيدنا
دا بياكلوا في لحم أخوتنا
يا نعيش أحرار في بلدنا
يا نموت ويا أخواتنا
قبض لعدة ساعات على بعض الأمهات... لكن حركتهم ظلت مستمرة، وكانوا همزة وصل بين الطلاب المعتقلين والطلاب الهاربين المطلوب القبض عليهم.. لقد أصبح خلال هذا الشهر الذي تم فيه إغلاق الجامعة:
المعتقلون.. وأسرهم... والهاربون... ومن يشاركون في حمايتهم من بطش السلطات..
أصبح هؤلاء جميعًا أسرة واحدة:
تجمع التبرعات... وتنقل الأطعمة للسجون..... وتوفر المكان الآمن للهاربين.
وتوزع المعتقلون على سجون طرة المختلفة... وسجن القناطر... وسجن الاستئناف... وسجن القلعة...
وكانت هذه الأيام هي تاريخ الميلاد لجيل السبعينات... وبداية التعارف بين أبناء هذا الجيل داخل السجن وخارجه.
____________________________
إضراب كلية الهندسةعن الدراسة
ومظاهرة 11 فبراير 1973 بميدان الجيزة
++++++++++++++++++++++++++++++++
طوال شهر يناير 1973 وبعد إغلاق الجامعة.. كانت المهمة الأساسية للهاربين من كلية الهندسة جامعة القاهرة كيف يلتقون ببعضهم لإدارة النقاش والحوار حول:
ماذا سنفعل عند افتتاح الجامعة؟..
هرب كل منا إلى مكان ما... إما بمساعدة أسرته... أو بمساعدة المتعاطفين مع حركة الطلاب...... أو بتدبير أي مكان للإقامة عند أي صديق (يكون غير معروف للأجهزة الأمنية)...
بدأ تتوارد الأخبار أو الشائعات عن إن فلان سيسلم نفسه وفلان يفكر في ذلك... تمكنا من إيصال رسالة لمعظم الهاربين من هندسة القاهرة وخارجها مفادها:
"لن نتخلى عن زملائنا المعتقلين... أي هارب يسلم نفسه للسلطات يرتكب خطأ جسيما في حق زملائه... يجب أن ننظم طريقة هروبنا وطريقة نزولنا للجامعة عند الإفتتاح... لن ننزل جميعًا مرة واحدة في يوم واحد... سننزل أفراد أو مجموعة صغيرة حتى يتم القبض عليها... فتنزل مجموعة أخرىوهكذا... يجب أن نطيل بقدر الإمكان الحفاظ على الهاربين لأطول فترة ممكنة ودون تخاذل ودون تراجع..."
استطعنا خلال فترة إغلاق الجامعة عمل عدة لقاءات للهاربين من طلبة كلية الهندسة... ووضعنا خطة لعملنا داخل الكلية عند إفتتاح الجامعة.. كان ملخص هذه الخطة يدور حول ما يلي:
1- سيتم افتتاح الجامعة يوم السبت (تقريبًا 3 فبراير)..... وفي هذا اليوم أتخذنا قرارًا بألا ينزل أي من الهاربين إلى كلية الهندسة لأن يوم الأحد التالي كان يوافق عيد رأس السنة الهجرية وهو يوم أجازة رسمية...
فمن سينزل لن يستطيع أن يفعل شيء في يوم واحد واليوم التالي أجازة... واتفقنا على أن نبدأ عملنا يوم الاثنين وسيبدأ العمل العناصرالغير مطلوبة ....حتى نوحي لأجهزة الأمن أن الهاربين لن ينزلوا إلى الجامعة (وأنهم خافوا وأستكانوا) من أجل تضليلهم.
2- تبدأ خطة عملنا في الكلية بإصدار مجلات الحائط وإقامة حلقات النقاش من حولها والدعوة بعد يومين لعقد مؤتمر جماهيري بمدرج الساوي,... وكان مضمون الخطة فى البداية هو:
مطالبة مجلس الشعب بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق عن أوضاع المعتقلين بالسجون من الطلاب.... وتقصي الحقائق عن العدوان الهمجي على الجامعة يوم 3 يناير قبل إغلاق الجامعة.
قال البعض: إن هذا الموقف يمينيًا وفيه توجه نحو السلطة القمعية بطلب لجنة تقصي حقائق..
لكننا كنا نعلم جيدًا أن السلطة لن تستجيب لهذا المطلب على الإطلاق وعند رفضها ذلك سيكون ذلك ذريعة منطقية وطبيعية لإعلان الإضراب عن الدراسة داخل كلية الهندسة...
كنا ندرك أن صدام الجامعة وطلاب كلية الهندسة مع قوات الأمن يوم 3 يناير ثم قفل الجامعة كان بسبب حالة إحتقان وغيط شديد لدى جمهور الطلاب.... وأن الطلاب لديهم أسباب منطقية للإضراب عن الدراسة.....
3-أتخذنا قرارًا بإستئجار شقة تكون لإجتماع الهاربين من هندسة القاهرة... لإتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب ومواجهة أي تغيير يطرأ على الخطة...
أستئجرنا شقة مفروشة خلف كازينو الأندلس بشارع الهرم كان إيجارها الشهري 25 جنيه، كان الجميع يشتركون في إيجارها... أحتفظ كل هارب بمكانه الذي هرب فيه... وكان يقيم بالشقة المجموعة الأولى التي ستقوم بالنزول للكلية حينما تكون اللحظة مناسبة... وكل أسبوع كنا نعقد إجتماع للهاربين لإتخاذ القرارات المناسبة.
كان هذا هو الاتفاق بين الهاربين من طلاب كلية الهندسة (وكان غالبيتهم العظمى ينتمي إلى تنظيم شروق)... وقد لعب تنظيم شروق دورًا مهمًا في هذه الفترة وعلى الأخص داخل طلاب كلية الهندسة بجامعة القاهرة...
في يوم السبت نزل الطالب/ ماجد أدريس (رحمه الله) إلى كلية الهندسة، وهو لم يكن عضوًا بشروق، ولم نتمكن من إبلاغه بخطتنا لأننا لم نكن نعرف مكان هروبه، نزل ماجد وحده، وأعتقد أن الهاربين قد تخلوا عن قضية زملائهم، وتم القبض عليه من قبل ضباط مباحث أمن الدولة أثناء خروجه من الكلية في يوم السبت وتم ترحيله إلى سجن القناطر.
بدأن خطتنا في العمل بدء من يوم الاثنين 5 فبراير، وخلال أيام (5، 6، 7، 8، 10، 11 فبراير 1973) تمكن الزملاء من حشد وتجميع وتعبئة طلاب الكلية لبدء الإضراب عن الدراسة بكلية الهندسة...
(مجلات حائط – حلقات نقاش – مؤتمر ضخم بمدرج الساوي) صب كل ذلك في طلب لجنة تقصي الحقائق... تم رفض الطلب... وكان مجلس الشعب يشكل لجنة صورية لتقصي الحقائق ولما طلبنا حضورها للكلية رفض طلبنا...... فتم إعلان بدء الإضراب عن الدراسة يوم 11 فبراير وأستمر الإضراب حتى يوم 21 فبراير (يوم الطالب العالمي):
كان الطلاب يتجمعون في مسيرة تطوف الكلية وتدخل إلى المدرجات..... فيصفق الطلاب...
وينضمون إلى الإضراب.... كان من أبرز الشعارات:
سيب الكمرة والعمود
لطلاب قسم الهندسة المدنية
لأجل أخونا م القلعة يعود
أول نقطة ع الـ SPAN
اللي هيسكت يبقى جبان
لطلاب قسم كمياء وتعدين
يا أخونا في كيمياء وتعدين
فين أخواتنا المعتقلين
ميكانيكا
ميكانيكا
يا أخونا في الميكانيكا
سيب القلم والأسيتكا
يا أساتذتنا... يا أساتذتنا
المباحث نايمة في بيننا
وذلك بعد إحالة بعض الطلاب والأساتذة إلى مجالس تأديب
عملوا ليكوا ولينا مجالس
هيه حضانة وألا مدارس
ما تقول لنا يا سعادة الوالي
فين عصام الغزالي؟
فين فتيح؟ فين سهام؟
فين بهاء؟ فين هشام؟
مضربين... مضربين
لحد ما ييجا المعتقلين
عايزين حكومة حرة
العيشة بقت مرة
أنور أنور يا سادات
هيه فين الحريات
مجلس شعب دا قرع وكوسة
والحرية يا ناس محبوسة
يا مجلس شعب ماء الطين
أنت رئيسك قط سمين
يا مجلس شعب صباح الخير
وأنت رئيسك مليونير
قولوا للنايم في عابدين
حكمك زفت وزي الطين
نزلت إلى الكلية يوم الأربعاء أو الخميس حينما أقتضت الحاجة لبدء المسيرات وقيادة المظاهرات داخل الكلية... كنت أقود المسيرة داخل الكلية.... وفي نهايتها أتخفي بين المباني ودورات المياه... وأدخل دورة مياه في الدور الأرضي من الباب وأخرج منها من الشباك... ثم أهرب من داخل كلية الهندسة (من عند الكافتيريا القديمة) إلى داخل حديقة الحيوان.... ثم أهرب من حديقة الحيوان... وكان هناك طريقًا آخر من الحرم الجامعي.. بعد قفز عدة أسوار تجد نفسك في ملاعب السعيدية الثانوية أو في مزارع واسعة لكلية الزراعة خلف أبي قتاتة...
كان الإضراب يسير بنجاح في كلية الهندسة، وكنت أقود مع زملائي بكلية الهندسة (رياض رفعت، فاتن عبد المنعم فضة، محمد سلام وغيرهم) المسيرات داخل الكلية......
وكان الطلاب أحمد شرف الدين وصلاح موسىو الطيب وعمران يقودوا المظاهرات في الحرم الجامعي...
لقد كانت مظاهرة 11 فبراير 1973 عبارة عن مقطوعة موسيقية رائعة.... جاءت من العزف الجماعي لتفاعل المتظاهرين:
فى الساعة الثانية عشرة ظهرا خرج حوالى 2000 طالب من المضربين عن الدراسة بكلية الهندسة بمظاهرة نحو الحرم الجامعى ........وطافت المظاهرة بالحرم الجامعى.......وأصبح عدد المتظاهرين حوالى ثلاثة آلاف طالب تجمعوا أمام النصب التذكاري لجامعة القاهرة بعد أن طافوا بالحرم الجامعي..... وقف الطلاب يرددون شعاراتهم:
"أصل معدش فيها رجوع ... جه ميعادنا للطلوع".
وكان الطلاب محاصرين من جميع الجهات.....
حاصرت قوات الأمن منطقة بين السرايات...... ووضعت آلاف الجنود على مشارف كوبري الجامعة ومنطقة تمثال نهضة مصر...... وحديقة الأورمان.......
لم يخطر في بال رجال الأمن أن هناك منفذا آخر يمكن أن يخرج منه الطلاب.......
فهم قد تعودوا منذ مظاهرات 1968 ,ومظاهرات الكعكة الحجرية عام 1972,ومظاهرات 3 يناير1973:
إما أن تتجه المظاهرات لحي بين السرايات أو حي الدقي من عند حديقة الأورمان...... أو من ناحية كوبري الجامعة........
فقادة الأمن ما هم إلا بيروقراطيون..... يحركون قواتهم حسب ما إعتادوا وتعودوا.......
وبالتالي فالمفاجأة المدروسة والممكنة يمكن أن تشتت شملهم......
لذلك حينما انطلق الشعار أمام النصب التذكاري:
"مصر يا خلق علينا عزيزة ... بينا ياله ميدان الجيزة"
كانت المفاجأة الكبرى...... وبدأ عزف السيمفونية....... توجه الطلاب بسرعة البرق ناحية ميدان الجيزة..... وأثناء توجههم خرجت مجموعة من بينهم واستطاعت أن تضم للمظاهرة طلاب مدرسة السعيدية......... ومجموعات أخرى لذات الغرض توجهت إلى كلية الزراعة وكلية طب بيطري......... وفي خلال نصف ساعة كائت المظاهرة حوالي ستة آلاف مواطن بميدان الجيزة........
حاول الطلاب التوجه لعمال الشركة الشرقية للدخان والسجائر بالجيزة....... فطاردتهم قوات الأمن التي كانت قد استيقظت من غفوتها ووجهت قواتها تجاه ميدان الجيزة.........
توجهت المظاهرة نحو حواري الجيزة الشعبية وحاول الجنرالات وجنودهم دخول الحواري وراء المتظاهرين....... فكانت الأحجار نصيبهم...... لا من قبل الطلاب..... ولكن من قبل سكان حى الجيزة الشعبية ومن فوق أسطح المنازل....وأستمرت المظاهرة حتى العاشرة مساءاً
الحلقة القادمة الاسبوع القادم (سجن القناطر 11 فبراير 1973 - 3 اكتوبر 1973)
.

ليست هناك تعليقات:

حكايات من زمن فات

حكايات من زمن فات
اضغط على الصورة لتحميل الكتاب

حكايات من زمن جاى

حكايات من زمن جاى
اضغط على الصورة لتحميل الكتاب

قاوم يا فتى

قاوم يا فتى
اضغط على الصورة لتحميل الكتاب

أوراق عمالية

أوراق عمالية
اضغط على الصورة لتحميل الورقة